يتراوح عدد السكان المنحدرين من اصول أفريقية في كولومبيا بين 10% و15% من سكانها، وفقًا لبيانات الادارة الوطنية الكولومبية للاحصاء (2018). في العقود الأخيرة، عززت البلاد بشكل كبير البحوث الأكاديمية حول الشتات الأفريقي وتأثيره على بناء الهوية الوطنية.
تبرز ثلاث مؤسسات للتعليم العالٍي رائدة في هذا المجال: جامعة ” ديل فالي” / ( (Univalle وجامعة كولومبيا الوطنية (UNAL)وجامعة ” شوكو” التقنية(UTCH) . فقد طورت هذه الجامعات برامج متخصصة ومشاريع بحثية متعددة التخصصات واستراتيجيات توعية وتواصل مجتمعية لا تنقذ الذاكرة التاريخية فحسب، بل تعزز أيضًا الإدماج الاجتماعي وتساهم في تصميم السياسات العامة لصالح المجتمعات السود في البلاد.
جامعة ” ديل فالي”: الريادة في بحوث الشتات الافريقي
تأسس معهد دراسات الشتات الأفريقي في جامعة ” ديل فالي” في عام 2015، فقد ترسخ كمركز مرجعي لدراسة الشتات الأفريقي في أمريكا اللاتينية. حيث عزز هذا المعهد البحوث متعددة التخصصات التي تتناول قضايا حاسمة مثل عمليات الهجرة التاريخية ومظاهر العنصرية الهيكلية وأشكال المقاومة الثقافية للمجتمعات الأفرو- كولومبية.
من أهم إنجازاته هو إنشاء أول برنامج للدراسات العليا الماجستير في البلاد حول دراسات الشتات الافريقي، والذي يدرب المهنيين على تحليل التاريخ الأفريقي والحقوق العرقية وتطبيقها في السياسة العامة. بالإضافة إلى ذلك، يحافظ المعهد على تعاون وثيق مع منظمات المنحدرين من أصل أفريقي في منطقة المحيط الهادئ الكولومبية، ويعمل بنشاط على الحفاظ على التقاليد المنطوقة الشفوية والتعبيرات الموسيقية المتوارثة عن الأجداد.
هذا وقد كانت نتائج هذه المبادرات بارزة وواضحة، بما في ذلك نشر كتاب ”المنحدرون من أصل أفريقي: أصوات من كولومبيا والبرازيل“ (2021)، الذي تم إنتاجه بالتعاون مع الجامعات البرازيلية. وعلى نفس القدر من الأهمية كان تأثيرهم في مجال السياسة العامة، حيث تم الاستشهاد بأبحاثهم في الوثائق الرسمية لوزارة الثقافة وفي تقارير ” لجنة توضيح الحقيقة ” .
جامعة كولومبيا الوطنية: الحفاظ على الذاكرة التاريخية

منذ عام 2005، طوّرت كاتيدرالية / أكاديمية الدراسات الأفرو- كولومبية في الجامعة الوطنية الكولومبية عملًا أساسيًا في مجال إستعادة الذاكرة التاريخية المتعلقة بالرق وعمليات إلغاء الرق في الأراضي الكولومبية. لا تقتصر هذه المبادرة الأكاديمية على البحث فحسب، بل تشمل أيضًا برامج تدريب المعلمين التي تهدف إلى تطبيق مناهج تربوية مناهضة للعنصرية في الفصول الدراسية.
ومن بين أهم مساهماته القيّمة إنشاء المكتبة الرقمية الأفرو- كولومبية، وهي مستودع يتيح للجمهور أكثر من 500 وثيقة متخصصة.
نظمت الكاتيدرالية التعليمية العديد من الندوات الدولية التي يسرت التبادل الأكاديمي مع باحثين من أفريقيا وأمريكا اللاتينية. وقد كان لعملها تأثير ملموس على صنع سياسات الدولة، حيث شاركت بنشاط في وضع الخطة الوطنية للتنمية العرقية 2022 – 2026 ، حيث قدمت أدلة حاسمة على أوجه عدم المساواة التعليمية التي تؤثر على المجتمعات المنحدرة من أصل أفريقي.
الجامعة ” تشوكو” التكنولوجية: بحوث ذات نهج محلي – إقليمي
ركزت جامعة ” تشوكو” التكنولوجية، الواقعة في منطقة كويبدو، جهودها على البحوث التطبيقية التي تعالج التحديات الخاصة بمنطقة المحيط الهادئ. وقد كانت دراساتها تتعلق بتأثير عمليات إستخراج المعادن على المجتمعات المنحدرة من أصل أفريقي التي سمحت بتقديم مقترحات بديلة للتنمية المستدامة. كما نفذت المؤسسة برامج تعليمية إثنية مصممة لتدريب قادة المجتمعات المحلية على ممارسة حقوقهم المحلية – الإقليمية.
وفي المجال الثقافي، قامت جامعة ” تشوكو” التكنولوجية بعمل لا يقدر بثمن في توثيق وحفظ المظاهر التقليدية مثل ” الكورولاو” وصناعة ” الماريمباس” . وقد تم الاعتراف بهذا الجهد والتفاني على الصعيد الدولي عندما سلطت اليونسكو الضوء على مساهمتها في حماية التراث الثقافي غير المادي للمنحدرين من أصل أفريقي. ومن بين أهم إنتاجاتها الأكاديمية ذات الصلة هو ألاطلس الاثني – اللغوي لمنطقة ” تشوكو” (2020)، وهونشرة – مطبوعة ممولة من قبل لجنة علماء كولومبيين ” كوليسينسياس ” التي تنظم المعرفة حول لغات المنطقة وتقاليدها.
كان للعمل المشترك بين هذه الجامعات تأثير وتحولي وكبيرعلى إبراز الشتات الأفريقي في كولومبيا. فمن خلال الأبحاث الدقيقة والمشاريع المجتمعية وإستراتيجيات المناصرة، تمكنت هذه الجامعات من تعزيز الهوية الأفرو- كولومبية في المجال التعليمي، والتأثير على السياسات العامة المناهضة للتمييز العنصري وإقامة شبكات تعاون أكاديمية مع مؤسسات في أفريقيا وأمريكا اللاتينية.

تُظهر هذه التجارب أن دراسات الشتات الأفريقية في كولومبيا تتجاوز المجال الأكاديمي لتصبح أدوات قوية لتحقيق العدالة الاجتماعية والحوار بين الثقافات. ترسي النتائج التي تحققت حتى الآن أسس البحوث المستقبلية التي ستستمر في توسيع نطاق المعرفة حول هذه القضية الأساسية لفهم المجتمع الكولومبي المعاصر.