سلالة العِرق الأسود في بنما: مايو شهر الاحتفال بإرث تاريخي وثقافي

تقديرًا لمساهمة المجتمعات الأفريقية وأحفادهم وأنسالهم في ثقافة بنما وتاريخها، تحتفل البلاد في شهر مايو من كل عام بإرث سلالة العرق الأسود.

يعود تاريخ قرار تخصيص شهر مايو لسلالة العرق الاسود إلى عام 2000، عندما أقرت الحكومة البنمية القانون رقم 9، الذي ينص على أن يُسمى يوم 30 مايو من الآن فصاعدًا باليوم الوطني لسلالة العرق الاسود، وذلك للإشادة بالمساهمات التي قدمها المنحدرون من أصل أفريقي في البلاد في مختلف مجالات التنمية.

بناءً على ذلك، ومنذ ذلك الحين وطوال شهر مايو من كل عام، تقام سلسلة من الأنشطة التي تتنوع بين معارض لإرث ثقافة الطهي والملابس والإيقاعات الموسيقية مع الآلات التي أعطت الموسيقى والرقصات هوية المنحدرين من أصل أفريقي ذات قيمة تراثية عالية.

بالإضافة إلى ذلك، تُعقد ندوات وفعاليات يتم فيها تبادل نتائج الدراسات التي تهدف إلى تعزيز الاندماج وقبول التنوع الذي يميز المجتمع البنمي.

نظرة على التاريخ والهجرة

إن وجود سلالة عرق السود في بنما هو نتيجة لسلسلة من عوامل التكييف التاريخية والاجتماعية، خاصة في القرن التاسع عشر. فبحلول عام 1850، كانت بنما مقاطعة تابعة لكولومبيا الكبرى، وتسمى مقاطعة ” إستمو”، وبالتالي كان بها عدد كبير من العبيد القادمين من أفريقيا.

ووفقًا للمراجع التاريخية، فإن بناء القناة، لتربط بين المحيطين الأطلسي والهادئ ولتسهيل التجارة بين الأمريكتين وآسيا، كانت تتطلب قوة عاملة قوية لضمان إنجاز العمل في أقصر وقت ممكن. ففي حين تم جلب العبيد من ملاك الأراضي في الولايات المتحدة، تم إستقدام العمالة السود المأجورين أيضًا من جامايكا، حيث أُلغيت العبودية هناك في عام 1834.

وقد أدى وجود مجتمع العرق السود في مقاطعة ” إستمو” آنذاك كعبيد من ناحية، ووجود عمالة مأجورة وبرواتب عقود من ناحية أخرى، إلى خلق انقسامات في صفوف أولئك الذين كانوا يتتوقون إلى إلغاء العبودية. ونتيجة لذلك، نما الكفاح من أجل الانعتاق والتحرر من الاستعمار الإسباني، وفي 21 مايو 1851، تم التوقيع على التشريع الذي يمنح الحرية للعبيد ليصبح قانونًا، وبدأ تنفيذه في يناير 1852.

تُظهر بيانات جامعة بنما أن 41% من سكان بنما حاليًا هم من أصل أفريقي، ومنهم يوجد فقط 5% من السود، بينما يُعتبر الباقون خليط ” ذوي البشرة السمراء – القمحية”. يتمركز معظم السكان المنحدرين من أصل أفريقي في أقاليم ” كولونط  و” ريو أباهو”  و” دارينط  و” بوكاس ديل تورو”  و” باركي ليفيفري”.

من ناحية أخرى، ومن وجهة نظر لغوية، يمكن ملاحظة أن هناك مجتمعات من المنحدرين من أصل أفريقي اليوم لا يتحدثون الإسبانية كلغة رئيسية في بنما فحسب، بل يتحدثون الإنجليزية أيضًا. وفي معظم الحالات، هم أحفاد أولئك الأمريكيين والجامايكيين الذين عملوا في بناء قناة ما بين المحيطين وإنتهى بهم المطاف بالاستقرار في البلاد.

 إرث للهوية الوطنية

قدم البنميون المنحدرون من أصل أفريقي إسهامات كبيرة في تراث الهوية الوطنية للبلاد. ويتجلى ذلك في الإرث الثقافي في مجالات مثل فن الطهي أو ثقافة الطهي والرقصات والحركات الجسدية والإيقاعات المميزة للآلات الموسيقية.

فيما يتعلق بثقافة الطهي وتذوق الطعام، فإن إنتاج الأطعمة المستمدة من البحر والمتبلة بالتوابل والمحتوى العالي من الثوم والفلفل والبصل هو جزء من تراث مجتمعات البنميين المنحدرين من أصل أفريقي. ويقول الأحفاد إن أجدادهم تعلموا الطبخ  لهم من بقايا الطعام الذي كانوا يقدموه للاشخاص الذين يخدمونهم كعبيد, لهذا السبب يوجد في بنما اليوم أطباق متطورة للغاية تعتمد على منتوجات البحر مثل الروبيان وسمك ” النهاش ” وسمك القد التي إكتسبت مكانة خاصة في عروض المطاعم وتذوق الطعام.

وفي هذا الصدد، تبرز أطباق مثل طبق ”وان بوت“ المطبوخ من الأرز المقلي بالروبيان وأضلاع لحم الخنزير والفاصوليا والمتبل بصلصة خاصة تعتمد على التوابل العطرية و “توريهيتاس دي باكالاو”، المطبوخ من سمك القد المبشور والممزوج بمجموعة متنوعة من الفلفل الحار والبصل والملح، والذي يضاف إليه دقيق القمح لصنع عجينة سميكة يتم قليها بعد ذلك في أجزاء صغيرة مستديرة في الزيت الساخن؛ و” باتي”، وهي التي تتكون من فطيرة محشوة باللحم المفروم، ويفضل أن يكون لحم البقر والبصل والثوم والفلفل الحار.

العديد من الأطباق التي يتكون منها المطبخ البنمي المنحدر من أصل أفريقي تحمل أسماء باللغة الإنجليزية، وذلك بسبب تأثير القادمين من جامايكا أو الولايات المتحدة الذين وصلوا إلى البلاد في منتصف القرن التاسع عشر.

كما يحافظ المنحدرون من أصل أفريقي اليوم على إرث أسلافهم من خلال ملابسهم. فهم يرتدون بشكل أساسي في المناسبات الخاصة ملابس تذكرنا بأولئك الرجال والنساء الأوائل الذين أسسوا مجتمعات ثقافية خاصة بأصولهم العرقية في مناطق مختلفة.

وفي هذا الصدد، تتسم أزياء النساء بالألوان الزاهية وغير الضيقة على الجسم، مصحوبة بعمائم تقليدية على رؤوسهن، وغالباً ما يرتدينها للمشاركة في الأنشطة  والطقوس الدينية أو غيرها من الاحتفالات، كما يتم الحفاظ على تسريحات الشعر المضفورة – المجدولة الجذابة.

ومن لباس الرجال، تبرز القبعة ” كوفي” الشائعة جدًا لدى سكان شمال أفريقيا لنعومتها ونضارتها وملاءمتها المريحة خلف الأذنين.

من جانب أخر، تثري الموسيقى التي إنبثقت من المجتمعات البنمية المنحدرة من أصل أفريقي الثقافة الوطنية. وقد حظيت إيقاعات مثل ” الكونغا ”  و”التامبوريتو” – الطبول و” الكاليبسو” و” الكومبيا ” باعتراف دولي، حيث أن كل منها يصف الحياة اليومية للسكان البنميين العبيد الذين وجدوا في القرن التاسع عشر عن طريق آلات مرتجلة مثل الطبول أو ” الغويروس ” أشكالا لنقل تناقضاتهم مع النظام السائد، وبالتالي توقهم للنضال وأحلامهم في التحرر.

سلالة العرق الاسود: نقاشات وتحديات راهنة

في الوقت الحاضر، يحذر باحثون من مجلس أمريكا اللاتينية للعلوم الاجتماعية (كلاكسو) الذين أجروا أبحاثًا متعمقة حول العرقية المنحدرة من أصل أفريقي في بنما، من ضرورة التفكير في وجود عرقية سوداء واحدة أو عدة أعراق، نظرًا للتنوع اللغوي والثقافي والاتساع الذي يميز المجتمعات المنحدرة من أصل أفريقي.

كذلك، يقترح المجلس (كلاكسو) توجيه البحوث نحو توصيف الوضع الحالي للمنحدرين من أصل أفريقي في البلاد، لا سيما في بناء القوالب النمطية السلبية حول الإنتماء إلى مجتمع السود ووضع المرأة والتمتع في التعليم والصحة والوظائف والنضال من أجل الحقوق الاجتماعية الأخرى، من أجل وضع خرائط طريق فعالة لمعالجة العنصرية الهيكلية التي لا تزال قائمة في المجتمع البنمي.

lalatinaomeyma
lalatinaomeyma
المقالات: 41

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *